اسما صاحب الحضور الدائم
عدد الرسائل : 151 العمر : 42 البلد : نقاط : 11720 تاريخ التسجيل : 09/11/2008
| موضوع: وسائل الثبات على دين الله الإثنين يناير 05, 2009 6:48 pm | |
| [size=24][size=16]إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
أما بعد:
فإن الثبات على دين الله مطلب أساسي لكل مسلم صادق يريد سلوك الصراط المستقيم بعزيمة ورشد.
وتكمن أهمية الموضوع في أمور منها:
- وضع المجتمعات الحالية التي يعيش فيها المسلمون، وأنواع الفتن والمغريات التي بنارها يكتوون، وأصناف الشهوات والشبهات التي بسببها أضحى الدين غريباً، فنال المتمسكون به مثلاً عجيباً (القابض على دينه كالقابض على الجمر).
ولا شك عند كل ذي لب أن حاجة المسلم اليوم لوسائل الثبات أعظم من حاجة أخيه أيام السلف، والجهد المطلوب لتحقيقه أكبر ؛ لفساد الزمان، وندرة الأخوان، وضعف المعين، وقلة الناصر.
- كثرت حوادث الردة والنكوص على الأعقاب، والانتكاسات حتى بين بعض العاملين للإسلام مما يحمل المسلم على الخوف من أمثال تلك المصائر، ويتلمس وسائل الثبات للوصول إلى برٍ آمن.
- ارتباط الموضوع بالقلب ؛ الذي يقول النبي صلى الله عليه وسلم في شأنه: (لقلب ابن آدم أشد انقلاباً من القدر إذا اجتمعت غلياً) رواه أحمد 6/4 والحاكم 2/289 وهو في السلسلة الصحيحة 1772. ويضرب عليه الصلاة والسلام للقلب مثلاً آخر فيقول: (إنما سمي القلب من تقلبه، إنما مثل القلب كمثل ريشة في أصل شجرة يقلبها الريح ظهراً لبطن) رواه أحمد 4/408 وهو في صحيح الجامع 2361. فسبق الحديث قول الشاعر:
وما سمي الإنسان إلا لنسيانه ولا القلب إلا أنه يتقلب
فتثبيت هذا المتقلب برياح الشهوات والشبهات أمر خطير يحتاج لوسائل جبارة تكافئ ضخامة المهمة وصعوبتها.
وسائل الثبات
ومن رحمة الله عز وجل بنا أن بين لنا في كتابه وعلى لسان نبيه وفي سيرته وسائل كثيرة للثبات. أستعرض معك أيها القارئ الكريم بعضاً منها:
أولاً: الإقبال على القرآن:
القرآن العظيم وسيلة الثبات الأولى، وهو حبل الله المتين، والنور المبين، من تمسك به عصمه الله، ومن اتبعه أنجاه الله، ومن دعا إليه هُدي إلى صراط مستقيم.
نص الله على أن الغاية التي من أجلها أنزل هذا الكتاب منجماً مفصلاً هي التثبيت، فقال تعالى في معرض الرد على شُبه الكفار {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلَا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلًا وَلَا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلَّا جِئْنَاكَ بِالْحَقِّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيرًا} الفرقان /32 -33.
لماذا كان القرآن مصدراً للتثبيت ؟؟
- لأنه يزرع الإيمان ويزكي النفس بالصلة بالله.
- لأن تلك الآيات تتنزل برداً وسلاماً على قلب المؤمن فلا تعصف به رياح الفتنة، ويطمئن قلبه بذكر الله.
- لأنه يزود المسلم بالتصورات والقيم الصحيحة التي يستطيع من خلالها أن يُقوِّم الأوضاع من حوله، وكذا الموازين التي تهيئ له الحكم على الأمور فلا يضطرب حكمه، ولا تتناقض أقواله باختلاف الأحداث والأشخاص.
- أنه يرد على الشبهات التي يثيرها أعداء الإسلام من الكفار والمنافقين كالأمثلة الحية التي عاشها الصدر الأول، وهذه نماذج:
1- ما هو أثر قول الله عز وجل: {مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى} الضحى /3 على نفس رسول الله صلى الله عليه وسلم، لما قال المشركون: (ودع محمد …) أنظر صحيح مسلم بشرح النووي 12/156.
2- وما هو أثر قول الله عز وجل: {لِّسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُّبِينٌ} النحل /103 لما ادعى كفار قريش أن محمداً صلى الله عليه وسلم إنما يعلمه بشر وأنه يأخذ القرآن عن نجار رومي بمكة ؟
3- وما هو أثر قول الله عز وجل: {أَلاَ فِي الْفِتْنَةِ سَقَطُواْ } التوبة /49 في نفوس المؤمنين لما قال المنافق: " ائذن لي ولا تفتني " ؟
أليس تثبيتاً على تثبيت، وربطاً على القلوب المؤمنة، ورداً على الشبهات، وإسكاتاً لأهل الباطل.. ؟ بلى وربي.
ومن العجب أن الله يعد المؤمنين في رجوعهم من الحديبية بغنائم كثيرة يأخذونها (وهي غنائم خيبر) وأنه سيعجلها لهم وأنهم سينطلقون إليها دون غيرهم وأن المنافقين سيطلبون مرافقتهم وأن المسلمين سيقولون لن تتبعونا وأنهم سيصرون يريدون أن يبدلوا كلام الله وأنهم سيقولون للمؤمنين بل تحسدوننا وأن الله أجابهم بقوله: (بل كانوا لا يفقهون إلا قليلاً) ثم يحدث هذا كله أمام المؤمنين مرحلة بمرحلة وخطوة بخطوة وكلمة بكلمة.
- ومن هنا نستطيع أن ندرك الفرق بين الذين ربطوا حياتهم بالقرآن وأقبلوا عليه تلاوة وحفظاً وتفسيراً وتدبراً، ومنه ينطلقون، وإليه يفيئون، وبين من جعلوا كلام البشر جل همهم وشغلهم الشاغل.
- ويا ليت الذين يطلبون العلم يجعلون للقرآن وتفسيره نصيباً كبيراً من طلبهم.
ثانياً: التزام شرع الله والعمل الصالح:
قال الله تعالى: {يُثَبِّتُ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللّهُ مَا يَشَاء} إبراهيم /27.
قال قتادة: " أما الحياة الدنيا فيثبتهم بالخير والعمل الصالح، وفي الآخرة في القبر ". وكذا روي عن غير واحد من السلف تفسير القرآن العظيم لابن كثير 3/421. وقال سبحانه: {وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُواْ مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْرًا لَّهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتًا} النساء /66. أي على الحق.
وهذا بيّن، وإلا فهل نتوقع ثباتاً من الكسالى القاعدين عن الأعمال الصالحة إذا أطلت الفتنة برأسها وادلهم الخطب ؟! ولكن الذين آمنوا وعملوا الصالحات يهديهم ربهم بإيمانهم صراطاً مستقيماُ. ولذلك كان يثابر على الأعمال الصالحة، وكان أحب العمل إليه أدومه وإن قل. وكان أصحابه إذا عملوا عملاً أثبتوه. وكانت عائشة رضي الله عنها إذا عملت العمل لزمته.
وكان يقول: (من ثابر على اثنتي عشرة ركعة وجبت له الجنة) سنن الترمذي 2/273 وقال: الحديث حسن أو صحيح. وهو في صحيح النسائي 1/388 وصحيح الترمذي 1/131. أي السنن الرواتب. وفي الحديث القدسي: (ولا يزال عبدي يتقرب إليّ بالنوافل حتى أحبه) رواه البخاري، انظر فتح الباري 11/340.
ثالثاً: تدبر قصص الأنبياء ودراستها للتأسي والعمل:
والدليل على ذلك قوله تعالى{وَكُلاًّ نَّقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنبَاء الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ وَجَاءكَ فِي هَذِهِ الْحَقُّ وَمَوْعِظَةٌ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ} هود /120.
فما نزلت تلك الآيات على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم للتلهي والتفكه، وإنما لغرض عظيم هو تثبيت فؤاد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأفئدة المؤمنين معه.
- فلو تأملت يا أخي قول الله عز وجل: {قَالُوا حَرِّقُوهُ وَانصُرُوا آلِهَتَكُمْ إِن كُنتُمْ فَاعِلِينَ قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَأَرَادُوا بِهِ كَيْدًا فَجَعَلْنَاهُمُ الْأَخْسَرِينَ} الأنبياء /68-70 قال ابن عباس: " كان آخر قول إبراهيم حين ألقي في النار: حسبي الله ونعم الوكيل" الفتح 8/22
ألا تشعر بمعنى من معاني الثبات أمام الطغيان والعذاب يدخل نفسك وأنت تتأمل هذه القصة ؟
- لو تدبرت قول الله عز وجل في قصة موسى: {فَلَمَّا تَرَاءى الْجَمْعَانِ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ قَالَ كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ} الشعراء /61-62.
ألا تحس بمعنى آخر من معاني الثبات عند ملاحقة الطالبين، والثبات في لحظات الشدة وسط صرخات اليائسين وأنت تتدبر هذه القصة ؟.
- لو استعرضت قصة سحرة فرعون، ذلك المثل العجيب للثلة التي ثبتت على الحق بعدما تبين.
ألا ترى أن معنى عظيماً من معاني الثبات يستقر في النفس أمام تهديدات الظالم وهو يقول: {قَالَ آمَنتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ فَلَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُم مِّنْ خِلَافٍ وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ وَلَتَعْلَمُنَّ أَيُّنَا أَشَدُّ عَذَابًا وَأَبْقَى} طه /71
ثبات القلة المؤمنة الذي لا يشوبه أدنى تراجع وهم يقولون: {قَالُوا لَن نُّؤْثِرَكَ عَلَى مَا جَاءنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالَّذِي فَطَرَنَا فَاقْضِ مَا أَنتَ قَاضٍ إِنَّمَا تَقْضِي هَذِهِ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا} طه /72.
- وهكذا قصة المؤمن في سورة يس ومؤمن آل فرعون وأصحاب الأخدود وغيرها يكاد الثبات يكون أعظم دروسها قاطبة.
رابعاً: الدعاء:
من صفات عباد الله المؤمنين أنهم يتوجهون إلى الله بالدعاء أن يثبتهم:
(ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا)، (ربنا أفرغ علينا صبراً وثبت أقدامنا). ولما كانت (قلوب بني آدم كلها بين أصبعين من أصابع الرحمن كقلب واحد يصرفه حيث يشاء) رواه الإمام أحمد ومسلم عن ابن عمر مرفوعاً انظر مسلم بشرح النووي 16/204. كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكثر أن يقول: (يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك) رواه الترمذي عن أنس مرفوعاً تحفة الأحوذي 6/349 وهو في صحيح الجامع 7864.
خامساً: ذكر الله:
وهو من أعظم أسباب التثبيت.
- تأمل في هذا الاقتران بين الأمرين في قوله عز وجل: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُواْ وَاذْكُرُواْ اللّهَ كَثِيرًا لَّعَلَّكُمْ تُفْلَحُونَ} الأنفال /45. فجعله من أعظم ما يعين على الثبات في الجهاد.
-
| |
|
اسما صاحب الحضور الدائم
عدد الرسائل : 151 العمر : 42 البلد : نقاط : 11720 تاريخ التسجيل : 09/11/2008
| موضوع: رد: وسائل الثبات على دين الله الإثنين يناير 05, 2009 6:50 pm | |
| وتأمل أبدان فارس والروم كيف خانتهم أحوج ما كانوا إليها " ما بين القوسين مقتبس من كلام ابن القيم رحمه الله في الداء والدواء. بالرغم من قلة عدد وعدة الذاكرين الله كثيراً.
- وبماذا استعان يوسف عليه السلام في الثبات أمام فتنة المرأة ذات المنصب والجمال لما دعته إلى نفسها ؟ ألم يدخل في حصن " معاذ الله " فتكسرت أمواج جنود الشهوات على أسوار حصنه ؟
وكذا تكون فاعلية الأذكار في تثبيت المؤمنين.
سادساً: الحرص على أن يسلك المسلم طريقاً صحيحاً:
والطريق الوحيد الصحيح الذي يجب على كل مسلم سلوكه هو طريق أهل السنة والجماعة، طريق الطائفة المنصورة والفرقة الناجية، أهل العقيدة الصافية والمنهج السليم واتباع السنة والدليل، والتميز عن أعداء الله ومفاصلة أهل الباطل..
وإذا أردت أن تعرف قيمة هذا في الثبات فتأمل وسائل نفسك: لماذا ضل كثير من السابقين واللاحقين وتحيروا ولم تثبت أقدامهم على الصراط المستقيم ولا ماتوا عليه ؟ أو وصلوا إليه بعدما انقضى جل عمرهم وأضاعوا أوقاتاً ثمينة من حياتهم ؟؟.
فترى أحدهم يتنقل في منازل البدع والضلال من الفلسفة إلى علم الكلام والاعتزال إلى التحريف والتأويل إلى التفويض والإرجاء، ومن طريقة في التصوف إلى أخرى..
وهكذا أهل البدع يتحيرون ويضطربون، وانظر كيف حُرم أهل الكلام الثبات عند الممات فقال السلف: " أكثر الناس شكاً عند الموت أهل الكلام " لكن فكر وتدبر هل رجع من أهل السنة والجماعة عن طريقه سَخْطَةً بعد إذ عرفه وفقهه وسلكه ؟ قد يتركه لأهواء وشهوات أو لشبهات عرضت لعقله الضعيف، لكن لا يتركه لأنه قد رأى أصح منه أو تبين له بطلانه.
ومصداق هذا مساءلة هرقل لأبي سفيان عن أتباع محمد ؟ قال هرقل لأبي سفيان: " فهل يرتد أحد منهم سخطة لدينه بعد أن يدخل فيه ؟ " قال أبو سفيان: لا. ثم قال هرقل: " وكذلك الإيمان حين تخالط بشاشته القلوب " رواه البخاري، الفتح 1/32.
سمعنا كثيراً عن كبار تنقلوا في منازل البدع وآخرين هداهم الله فتركوا الباطل وانتقلوا إلى مذهب أهل السنة والجماعة ساخطين على مذاهبهم الأولى، ولكن هل سمعنا العكس ؟!
فإن أردت الثبات فعليك بسبيل المؤمنين.
|
| |
| |
|
عمرو يوسف مشرف عام
عدد الرسائل : 793 العمر : 45 البلد : نقاط : 11742 تاريخ التسجيل : 09/11/2008
| موضوع: رد: وسائل الثبات على دين الله الخميس يناير 15, 2009 2:55 pm | |
| جزاكم الله خيراُ اسما اللهم يا مقلب القلوب والابصار ثبت قلوبنا علي دينك وطاعك | |
|