دعى نبي الاسلام محمد إلى شهادة ان (لاإله إلا الله) وكلمة الشهادة هي من الشهود, ولا تتحقق إلا بالمعرفة والادراك. (إن السمع والبصر والفؤاد كل اولئك كان عنه مسؤولا). وقد رفع الاسلام من مرتبة العقل وخاطبه لأنه مناص العلم والادراك والمعرفة. وجاءت الحكام الإسلامية ترجع إليه كل احكامها, لذلك قيل:
(من لا عقل له لا دين له) فلا يؤاخذ.
عمد الاسلام في القرآن إلى تبيان اهمية الإيمان القائم على القوانين والتأمل فيها والتي اسماها السشنن, وهي قوانين لا تتغيّر بتغير الزمن "سنة الله ولن تجد لسنة الله تبديلا" الأحزاب: 23. فالسنة في القرآن هي القانون, سواء اكان قانوناً فيزيائياً "كونياً" ام قانون الأنفس البشرية او قانون المجتمع "سنن المجتمع" لذلك أورد الآية
وحث الاسلام على قيمة البحث العلمي ودراسة مبدا الأمور واصلها "قل سيروا في الأرض ثم انظروا كيف كانت عاقبة المكذبين" - الأنعام - 6- كما حثًّ على دراسة التاريخ وتحليله فاوردَ اخبار الأمم السابقة للعبرة والدراسة والاستنباط" واهتم بدراسة النفس البشرية وعمل على السمو بها, وكرّمها ومنحها حرية الاختيار لذلك اجاز الكفر مع الإكراه وادان الإيمان مع الإكراه ولم يعتبره إيماناً. (إلا من أُكره وقلبه مطمئن بالإيمان). ونهى عن التقليد والتبعية واعتبره هبوط ومسخ لانسانية الانسان, ولولا اقرب المقربين إلى المرء وهم الآباء... ادان التقليد المبني على إلغاء العقل دون التمحيص والاختيار الحرّ. فالاسلام دين مسؤولية الفرد, ومسؤولية الجماعة. فجعل من الفرد أمّة ومن الأمّة فرد: "كان ابراهيم امة",
"كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته".
فإذا كان هذا الاسلام الذي صاغ الفرد- المجتمع وتماهى فيه الحاكم والمحكوم...
فما هو الاسلام؟ وما هو الله الذي هو المركز في الدعوة إليه؟
الله في عقيدة الاسلام هو روح وعقل الكون, وإرادة عالم الوجود.
خلق الانسان الذي هو كون صغير وكرَّمه وسخَّر له الكون الكبير, وحمَّله الأمانة التي هي حرية الاختيار ومناط المسؤولية وبنى عليها تكليف الخلافة في إعمار الكون: "إني جاعل في الأرض خليفة" وجعل القانون سارياً عبر الكون من اكبر مجرّة إلى أصغر ذرة بإحكام مدهش, وفي الانسان الكون الصغير لم يخرج عن هذا الاحكام إلا في نفخة الروح التي بواسطتها حرية الاختيار وكرامة بني آدم على سائر المخلوقات: "فإذا سويّته ونفختُ فيه من روحي فقعوا له ساجدين" - الحجر- 15-
صحيح ان ابداننا تتصرف على ضوء قواعد وقوانين حتمية وثابتة لا تتغيّر, وتخضع لاعتبارات فيزيولوجية وبيولوجية, لكن هذا لايعني ان افكارنا وإرادتنا معطَّلة وعبثية وليس لنا دور في التأثير على ما يحيط بنا او يوجد في أعماقنا. فلو اعتبرنا ان السنن هي التي تعمل وتؤثر وحدَها في الكون, فهذا يعني اننا اعتبرنا الكون آلة عظيمة تعمل بلا روح ولا إرادة, بينما هو وجود حرّ عالِم ومُريد, يشعر ويفكِّر ويُقرِّر, ويستجيب ويؤثِّر.
فالانسان, وحسب التعبير القرآني العميق "كل يوم هو في شأن"
وتلك بحد ذاتها سّنة أخرى تبتني على منطق وحِكمة, وليس مجرّد حقيقة تتسق مع الواقع, بل هو اعتقاد ورؤية كونية ثابتة وشاملة تمنح الانسان عمقاً وقيمة, وتعطي لحياته هدفاً ومعنى: "أتحسب انكَ جرم صغير وفيكَ انطوى العالم الأكبر" (علي بن ابي طالب)
1) - إن غاية الاسلام هي رفع الحواجز والحجب بين الانسان وربه وإيجاد حلقة اتصال مباشر بين الطرفين, وبناءاً على ذلك:
لا نرى في الاسلام مكاناً لكيان ٍ رسمي متشكِّل من رجال الدين.
لنتمعّن في الآيات التالية:
"وإذا سألكَ عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداعي إذا دعاني, فليستجيبوا لي وليؤمنوا بي" - البقرة- 86- والآية: "ونحن اقرب إليه من حبل الوريد" - ق- 16.
اما في العبادات الجماعية التي لابدّ فيها من تصدّي شخص معيّن ليكون إماماً للجماعة, لا يُشتَرَط في ذلك الشخص أن يكون صاحب منصب رسمي, ينبغي فقط ان تتوفر فيه صفة العدالة وهي فضيلة أخلاقية عامّة وليست حكراً على طبقة معيّنة.
2) - المساواة العامّة: هي مبدأ سياسي اجتماعي سيّده الاسلام واعتبره مبدأً طبيعياً مسّلماً به.. وعمل على رفع مستواه من "المساواة الحقوقية إلى المساواة الحقيقية" بالاصطلاح الاسلامي ان المساواة ترتقي إلى مستوى الأخوّة.
أ. - فكانت فلسفة الخلق في الاسلام, الشر ينحدرون جميعاً من ابوين مشتركين وهم جميعاً اعضاء أسرة واحدة: "يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر ٍ وانثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله اتقاكم" - الحجرات - 13. كلكم من آدم وآدم من تراب... "كل انسان نظير لك في الخلق, فإنهم صنفان: إما اخ لك في الدين, أو نظير لك في الخلق" (علي بن ابي طالب).
ب. - المرأة والرجل متحدان أصلاً وجنساً "يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس ٍ واحدة وخلق منها زوجها وبثَّ منهما رجالاً كثيراً ونساءً واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام, إن الله كان عليكم رقيباً" - النساء - 1 -
ت. - المساواة في الحقوق نتيجة طبيعية للتساوي في الخلقة والطبيعة:
"الناس يولدون ويظلون احراراً متساوين في الحقوق" (علي بن أبي طالب). وهذه المساواة تشمل البشرية جمعاء "
أموالهم كأموالنا ودماؤهم كدمائنا" (على بن أبي طالب).
ث. - المساواة الاقتصادية: إن اموال العامة هي اموال للشعب بكامله. الناس شركاء في ثلاثة, الماء والكلأ والنار, (محمد) ص
ج. - الحرية السياسية: "لاتكن عبداً لغيركَ, وقد جعلك الله حرّأً"
"وليكن امر الناس عندك في الحق سواء" (علي بن ابي طالب)
لاحظ (امر الناس) وليس امر المسلمين.
كذلك خطبة الخليفة الأول بعد انتخابه خليفة وحاكماً سياسياً (يا أيها الناس قد وُليتُ عليكم ولستُ بخيركم, ولقد وددتُ ان واحداً منكم قد كفاني هذا المر فلو وجدتم فيَّ اعوجاجاً فقوِّموه).
ح. - الحرية الدينية: كان الرسول يوصي اصحابَه بعدم فرض الدين على الناس فرضاً لن الله تعالى يقول: "إنكَ لا تهدي من أحببت ولكن الله يهذي من يشاء" - القصص - 52- "لا إكراه في الدين قد تبيّن الرشد من الغيّ" - البقرة- 256 - وبالنسبة لاتباع الديانات الخرى, يصدر الاسلام حكمه بحقهم على النحو التالي: "إن الذين آمنوا والذين هادوا والصابئين والنصارى من ىمن بالله واليوم الآخر وعمل عملاً صالحاً فلهم اجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون" - البقرة - 62 - "ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي احسن" - العنكبوت - 46 - "لكل امة جعلنا منسكاً هم ناسكوه" - الحج - 67 -
3)
الشورى في الحكومة: ثمة آيتان قرآنيتان تعلنان صراحة عن مبدأ الشورى في الأمور. الأولى "وشاورهم في الأمر" - آل عمران - 159 -
والثانية "وامرهم شورى بينهم" - الشورى - 38 -
إن احد المباديء والأركان السياسية والاجتماعية في الإسلام هو الاجتماع
(أي اتفاق اكثر الآراء على أمر) والذي يُعد اليوم الاسلوب الوحيد الذي يحظى بفبول الجميع لتحقيق الديمقراطية.
4) - السعادة والشقاء مرهونان باعمال الانسان وصفاته الذاتية. "كل نفس بما كسبت رهينة" - المدثر - 38 - "ليس للانسان إلا ما سعى, وان سعيه سوف يُرى" - النجم - 39, 40 - "فمن يعمل مثقال ذرة خيراً يره ومن يعمل مثقال ذرة شراً يره" - الزلزال - 7,8 -
5) - العقل والعلم ... "اقرأ باسم ربك الذي خلق خلق الانسان من علق, اقرأ وربك الأكرم الذي علم بالقلم علم الانسان ما لم يعلم" - العلق - 1,5 - اول صفة اطلقت على الله في القرآن (الرب) التي تفيد التربية, واول عمل خلق الانسان على اطوار الخلقة (العلق) ويتكرر التعبير بالرب متبوعاً بصفة ثانية هي الكرم وذلك أنه علم الانسان بالقلم علمه ما لم يعلم.. والقرآن يؤكد هذه الأفضلية (العلم والقلم) على سبيل الاستفهام الانكاري في قوله: "هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون" إن قيمة العقل جوهرية في الاسلام لنه محل العلم والمعرفة والادراك. (لا دين لمن لا عقل له) محمد. كذلك حظر علماء المسلمين التقليد في المسائل العقلية والمباديء العقائدية للدين أفتوا بعدم إيمان المقلد كما نوهنا سابقاً, يقول القرآن "ولا تقف ما ليس لك به علم" - الإسراء