يقول أحدهم:
"إنني متزوج منذ ثمانية عشر عامًا، وقلما ابتسمت لزوجتي خلال هذا العمر الطويل، بل قلما حدثتها أكثر من بضع عبارات، ابتداءً من الساعة التي أصحوا فيها حتى أغادر البيت قاصدًا إلى عملي ..."
وسئلت فتاة عمن تحب أن تتزوج، فقالت: "أحبه كئوبًا إذا غدا، ضحوكًا إذا أتى".
أخي الزوج:
إن الابتسامة وروح الدعابة والمرح تجعل الناس يبحثون عنك ويسألون عليك, ليتصلوا هم بك وليستأنسوا بالحديث معك.
(يقول فرانكلين بتجر: "أنه وُجد منذ زمن بعيد مضى أن الرجل المبتسم أهل للترحيب في كل مكان".
ولأهل الصين حكمة: "إن الرجل الذي لا يعرف كيف يبتسم لا ينبغي له أن يفتح متجرًا", ونحن نقول وكيف له أن يفتح بيتًا؟
ويقول ديل كارينجي عن الابتسامة: "إنها لا تكلف شيئًا ولكنها تعود بالخير الكثير, إنها تغني أولئك الذين يأخذون ولا تفقر أولئك الذين يمنحون، أنها لا تستغرق أكثر من لمح البصر لكن ذكراها تبقى إلى آخر العمر، إنها راحة للتعب وشعاع الأمل للبائس وأجمل العزاء للمحزون") [كيف تكسب الأصدقاء وتؤثر في الناس, ديل كارينجي].
ومن قبل كل هؤلاء علمنا حبيبنا المصطفى صلى الله عليه وسلم: (وتبسمك في وجه أخيك صدقة) [صححه الألباني]، وقال أيضًا صلى الله عليه وسلم: (لا تحقرن من المعروف شيئًا ولو أن تلقى أخاك بوجه طلق) [رواه مسلم].
هل أدركت الآن لماذا كان يداعب الرسول صلى الله عليه وسلم أصحابه؟
فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قالوا: يارسول الله إنك تداعبنا قال: (إني لا أقول إلا حقًا) [صححه الألباني].
وإنما نعني بذلك الابتسامة الحقيقية التي تأتي من أعماق النفس, التي تقول لك عن صاحبها: "إني أحبك, إنك تمنحني السعادة, إني سعيد برؤيتك".
هذا هو شأن المسلم مع الناس جميعًا, فكيف بحاله مع أقرب الناس إليه وهي زوجته؟
(إن من أعظم وسائل امتلاك قلب الزوجة التلطف في معاملتها، ومن مظاهر هذا التلطف المسارعة في إدخال السرور عليها بعبارة حانية مملوءة عاطفة ورقة، أو بشيء من الترفيه البريء والمزاح الجائز، أو من خلال مساعدتها في شيء من الخدمة المنزلية ونحوها) [أخلاق الفتاة الزوجية, د. عدنان حسن باحارث, بتصرف]
وتتمنى الزوجة منك أن تلاطفها أثناء التعامل اليومي، وهذه الملاطفة والمداعبة والملاعبة عبادة تؤجر عليها، إذا ما نويت بها وجه الله عز وجل.
النموذج الرائع:
لقد نهج رسول الله صلى الله عليه وسلم في معاملته لأزواجة منهجًا رائعًا، فكان يلاطف ويداعب أزواجه، وكان إذا خلا بنسائه كان ألين الناس، وأكرم الناس، ضحاكًا بسامًا صلوات ربي وسلامه عليه.
وحث رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه على مضاحكة الزوجات والأولاد، بالرغم مما قد يخالط ذلك عادة من الغفلة والنسيان عند البعض، وقال لبعض أصحابه ممن استنكر ذلك, وظن أنه لهو أو شيء يبعد عن ذكر الله عز وجل, ويخرجهم من الحالة الإيمانية الراقية التي يكونون عليها عند رسول الله صلى الله عليه وسلم: (والذي نفسي بيده لو تدومون على ما تكونون عندي وفي الذكر؛ لصافحتكم الملائكة على فرشكم وفي طرقكم, يا حنظلة: ساعة وساعة) [رواه مسلم].
النبي وعائشة خير مثال
هل رأيت كيف كان يعامل الرسول صلى الله عليه وسلم السيدة عائشة رضي الله عنها وهي الفتاة الحديثة السن؟ كان يعاملها بلطف، فكان يدخل عليها السرور بفعله وعباراته، حتى كان يقوم لها يسترها لتنظر إلى الحبشة وهم يلعبون في المسجد حتى ترضى، وهو صابر لها.
فعن عائشة أن الحبشة كانوا يلعبون عند رسول الله صلى الله عليه وسلم في يوم ، قالت: (فاطلعت من فوق عاتقه, فطأطأ لي رسول الله صلى الله عليه وسلم منكبية، فجعلت أنظر إليهم من فوق عاتقه حتى شبعت ثم انصرفت) [رواه أحمد وهو صحيح].
وعن عائشة رضي الله عنها أنها كانت مع النبي صلى الله عليه وسلم في سفر قالت: فسابقته فسبقته على رجلي، فلما حملت اللحم سابقته فسبقني فقال: (هذه بتلك السبقة) [صححه الألباني]
ولاحظ معي أن النبي صلى الله عليه وسلم كان قد تجاوز الخمسين، وزوجته لم تتم العشرين بعد، وهو الذي طلب من أصحابه أن يتقدموا فتقدموا ليسابق زوجته، فلم يتحجج بفقد الوقار أو فقد الاحترام بين أصحابه.
والرسول صلى الله عليه وسلم كان أكثر الناس انشغالًا، ولم يتحجج بالانشغال، والعرب كانت لهم عادات وتقاليد صلبة مع النساء فلم يمنعه ذلك، لماذا؟
(إن النبي صلى الله عليه وسلم كان يدرك تمام الإدراك أي أثر يصنعه ذلك التنازل والمشاركة مع الزوجة، وأي رسالة ستعلمها من تلك التصرفات, فإنها تسمعه يقول لها: إني أحبك، ولولا ما أنا فيه من انشغال لقضيت العمر كله معك) [أوراق الورد وأشواكه ، د. أكرم رضا]
قالت عائشة رضي الله عنها: (كنت أشرب وأنا حائض، ثم أناوله النبي صلى الله عليه وسلم فيضع فاه على موضع فيَّ فيشرب، وأتعرق العرق ـ أي اللحم المختلط بالعظم ـ وأنا حائض ثم أناوله النبي صلى الله عليه وسلم فيضع فاه على موضع فيّ) [رواه مسلم]
إن النبي صلى الله عليه وسلم هنا يضع أسلوبًا للعلاقة بين الزوجين ملخصها "تلاعبها وتلاعبك"، أي منهج اللطف والمرح في التعامل مع الزوجات, وحين غاب هذا المنهج وذلك الأسلوب عن حياتنا للأسف الشديد كثرت المشكلات, وتعالت الشكاوى والآهات من فتور العلاقات الزوجية.
إن المشكلة الحقيقية أنك ترى الزوج مرحًا ولطيفًا مع أصحابه، فإذا دخل بيته انقلب إلى شخص آخر مقطبًا عابسًا، يغضب لأتفه الأسباب, ويثور لأقل المشكلات وكأنه يتربص بأهله المواقف, وقد يظن بعض الرجال أن هذا من الهيبة أو أنه من لوازم الرجولة, وهو لا يدري أنه بذلك يخالف هدي النبي صلى الله عليه وسلم في التعامل مع أهل بيته, وأنه بذلك يدق مسمارًا في نعش علاقته الزوجية.
لذلك نقول للزوج: ابتسم من فضلك:
(فإذا كان تبسم المسلم في وجه أخية صدقة كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم, فأولى الناس بتلك الابتسامة هو رفيقة الحياة وشريكة العمر، فكم تشعر الزوجة بالسرور حتى يقابلها زوجها بابتسامة تزيل عنها هم يومها وعناء عملها) [حتى يبقى الحب, د. محمد محمد بدري]
(إن الابتسام يشرق الوجه، أما العبوس فإذا أردت أن تعرف ما يفعله العبوس فانظر إلى وجهك في المرآة عندما تكون غاضبًا عابسًا، انظر إلى وجهك كم هو منفر وقبيح، كم يجلب مثل هذا الوجه على صاحبه من السخط والأذى) [عودة الحجاب, د. محمد اإماعيل المقدم]
منقووووووول