يقول عمر بن الخطاب رضي الله عنه : كنت أفتقد أبا بكر أيام خلافته ما بين فترة وأخرى، فلحقته يومًا فإذا هو بظاهر المدينة ـ خارجها ـ قد خرج متسللاً، فأدركته وقد دخل بيتاً حقيرًا في ضواحي المدينة، فمكثت هناك مدة، ثم خرج وعاد إلى المدينة، فقلت: لأدخلن هذا البيت، فدخلت فإذا امرأة عجوز عمياء وحولها صبية صغار، فقلت: يرحمك الله يا أمَة الله من هذا الرجل الذي خرج منكم الآن؟ قالت: إنه ليتردّد علينا، ووالله إني لا أعرفه، فقلت: فما يفعل؟ فقالت: إنه يأتي إلينا فيكنس دارنا، ويطبخ عشاءنا، وينظف قدورنا، ويجلب لنا الماء، ثم يذهب، فبكى عمر حينذاك وقال: الله أكبر، والله لقد أتعبتَ من بعدك يا أبا بكر.
لقد كان الخليفة أبو بكر رضي الله عنه يحكم قرابة العشرين دولة وليست دولة واحدة فقط غير أن ذلك لم يمنعْه من مساعدة تلك العجوز بنفسه مع أنه يستطيع أن يرسل خدماً لتقوم بالمهمة، وهذا من تواضعه رضي الله عنه. حقاً لقد أتعبتَ الخلفاء بل وزعماء العالم كله بعدك يا أبا بكر.
لقد رأى عمر بن الخطاب رضي الله عنه هذا المشهد وقال مقولته المشهورة:"والله لقد أتعبتَ من بعدك يا أبا بكر" وحينما تولى الخلافة بعد أبي بكر رضي الله عنه سعى لأن يحقق تلك المُثُل العليا التي كان عليها أبو بكر رضي الله عنه، فها هو يمر بحدث مماثل حينما خرج ذات ليلة إلى الحرة في المدينة ومعه مولاه أسلم فإذا نار تسعر فقال يا أسلم ما أظن هؤلاء إلا ركباً كثر بهم الليل والبرق فلما وصل إلى مكانها إذا هي امرأة معها صبيان يتضاغون من الجوع قد نصبت لهم قدر ماء على النار تثبتهم به ليناموا فقال عمر رضي الله عنه السلام عليكم يا أهل الضوء وكره أن يقول يا أهل النار ما بالكم وما بال هؤلاء الصبية يتضاغون؟ قالت المرأة يتضاغون من الجوع قال فأي شئ في هذا القدر قالت ماء أثبتهم به توهمهم أني أصنع طعاماً حتى يناموا والله بيننا وبين عمر فقال عمر رضي الله عنه يرحمك الله وما يدري عمر بكم قالت أيتولى أمرنا ويغفل عنا فبكى عمر رضي الله عنه ورجع مهرولاً فأتى بعجل من دقيق وجراب شحم وقال لأسلم احمله على ظهري قال أنا أحمله عنك يا أمير المؤمنين قال أنت تحمل وزري عني يوم القيامة فحمله رضي الله عنه حتى أتى المرأة فجعل يصلح الطعام لها وجعل ينفخ تحت القدر والدخان يتخلل من لحيته رضي الله عنه حتى نضج الطعام فأنزل القدر وأفرغ منه في صحفة لها فأكل الصبية حتى شبعوا وجعلوا يضحكون ويتصارعون فقالت المرأة جزاك الله خيراً أنت أولى بهذا الأمر من عمر (تعني أمر الخلافة) فقال لها عمر رضي الله عنه قولي خيراً. وكان رضي الله عنه دائماً يستشعر قدر الأمانة التي حُمِّل إياها فكان يقول وهو في المدينة: "لو عثرت شاةٌ في العراق لخفت أن يسألني الله عنها لِمَ لَمْ تعبد لها الطريق يا عمر". رحمك الله يا عمر و رضي الله عنك يا أبا بكر فلقد كنتما كالمصابيح تضيء في جو السماء وكنتما بحق خير من تولى أمر الأمة.
منقوووووووول