حين تأملت حال الأمة وما يحيط بها من غمة
وكيف صارت دماء المسلمين أرخص الدماء تتنزل عليهم القذائف مثل قطر السماءوصار العدو يتخذ منهم هدفاً لتدريب أهل الهواية ويمطرهم بالقنابل التي أوشكت صلاحيتها على النهايةوأصبح المسلم يخاف ويحتار كلما سمع نشرات الأخبارفلما استبد بي الضيق يممت نحو الطريقوخرجت من بيتي هائماً ولنفسي لائماًفلم أفق إلا ورأسي في صدر رجل صدمته وأنا عجلوإذا شخص طويل يلبس نظارة ظنته أحد أعمدة الإنارةفبادرني بابتسامة من ثغر أبيض كالغمامةولم يكن إلا شيخي أبا همام المشهور بأنه إمام يذوب غيرة على الإسلامولهذا خلا جسمه من الشحم والهبر وهو مع ذلك عظيم الصبر متصف بأخلاق الصُـبُرقال لي بصوت مزكوم كأني بك مغمومفقلت جدا فقال سأضع لذلك حداًلكني الآن مشغول فوافني في البيت بعد ساعة فقلت سمعاً وطاعةثم عدت إلى المشي والهيام وتأمل أحوال الأناملعلي أجد فيها عبرة تخفف ما أجد من حسرةوفي الطريق مررت بصالون حلاقة لأرى ضرباً من الحماقةرأيت شاباً يتثنى تعشق البنات رقته وتتمنىجالساً على كرسي الحلاقة يفوح بالعطر كأنه باقةفلما قام عن الكرسي فغرت فمي وأمسكت رأسيلقد خلا وجهه من كل شعرة وصار أملس مثل البعرةونتف الحلاق شعر وجهه نتفا والحق أنه نسف رجولته نسفافعجبت لمن كره التشبه بالفحول وجمع إلى ذلك معصية الرسول
انصرفت بنفس عليلة ومشيت بخطا ثقيلة
فراعني سيارة كادت تقفز الرصيف ليترجل منها غلام نحيف
ويهرول نحو محل لبيع الأغاني يجلجل بأحط المعاني
وتذكرت ما سمعته من أن العمدة في الطرب هي جمال الوجه وطول الشنب
ولا يضر قبح الصوت ولو أدى إلى الصمم أو الموت
وصار بعض (النقاد) ويشاركهم آخرون من الحساد
يسبون هؤلاء البوم ويترحمون على عصر أم كلثوم
هذا الذي سمعته وقد أكده ما رأيته
فإن هذا الغلام صار يبحث في الركام
وهو ينظر إلى الصورة كحارس المرمي مع الكوره
ولم يجرب سماع أي شريط لأنه عبيط ومخه كالقرنبيط
مللت هذه الحالة فتوجهت إلى أقرب بقالة
لأشرب ما يبل الريق و يطفئ ما في صدري من الحريق
فراعني ما رأيته من مجلات تتصدر أغلفتها حسناوات
تصد عن ذكر الله وعن الصلاة
ولعمري ما احتاجوا إلى تلك الغيد الا حين خلا محتواها من المفيد
:فقلت للبائع وهو مسلم بصوت الناصح المتألم
أنت مسلم نبيل فكيف حولك الشيطان إلى عميل
تروج له بضاعته وتشاركه صناعته
إن هذا الذي تبيعه فاقرة تندم عليها في الآخرة
فقال وصوته متعثر وقد بدا على وجهه التأثر
هو والله ضرورة التسويق فقلت ولو كان سخط الرب هو الطريق
احرص أن يكون رزقك حلالا تذكر قوله تعالى
لا يستوي الخبيث والطيب ولو أعجبك كثرة الخبيث) وبذلك ختمت معه الحديث)
منقوووووووووول