تحديث يوم
جريمة تاريخية
[color=cyan]مذبحة الإسكندرية.. والاحتلال
كيف تخلص محمد علي من سيطرة المماليك وانفرد بحكم مصر؟!
مأمون غريب
كان الاستعمار الانجليزي يتحين الفرص لاحتلال مصر بعد خروج نابليون من مصر. وكان الشعب المصري يدرك أنه مستهدف، وأن عليه أن يواجه قوي العدوان والاستعمار، بعد أن أيقظت الحملة الفرنسية فيه الوعي بضرورة الاعتماد علي النفس بعد هزيمة المماليك ونمو الوعي بالذات لدي شعب مصر.
ولايمكن أن نفهم الواقع المصري عندما حدثت مذبحة الاسكندرية في يوم الأحد ١١ يونيو سنة ٢٨٨١ وتداعيات هذه المجزرة، الا اذا رجعنا إلي الوراء قليلا ورأينا كيف تدور الأحداث علي المسرح العالمي والمسرح المصري، منذ أن تولي محمد علي باشا الحكم في مصر، وانفرد بالسلطة وسيطر علي كل الأمور فيها.[/color]
[color:9726=redحادثة القلعة الشهيرة، حيث دعا المماليك إلي وليمة بالقلعة، بحجة أنه يستعد أن يرسل جيشا إلي الحجاز وأنهم سيكونون ط]ولم يلبث هذا الجندي القادم من البانيا عندما آلت إليه السلطة أن ظهرت طموحاته. فهو يريد تكوين إمبراطورية قاعدتها مصر، وهو يريد التخلص من السيطرة العثمانية بعد أن تخلص بالفعل من المماليك في ليعة هذا الجيش، وما أن دخلوا القلعة حتي أغلقت الأبواب وتم ذبحهم ولم ينج منهم سوي أحد المماليك الذي قفز بحصانه من القلعة مقتل الحصان ونجا هذا المملوك واختبأ بمساعدة البعض، بينما حصد رصاص محمد علي ٠٧٤ من ضباط المماليك، ثم ارسل ابنه ابراهيم للقضاء مع المماليك ومن فر منهم إلي الصعيد، وقد استطاع البيض منهم الفرار إلي السودان.
وبدأ محمد علي يحقق طموحاته.. فالرجل قدم العديد من الاصلاحات وأرسل البعوث إلي الخارج لخدمة طموحاته العسكرية وخاصة إلي فرنسا..
وقد هال الغرب أن يجد قوة محمد علي العسكرية آخذة في النمو والتصاعد، ثم بدأت فتوحاته وتوسعاته في الحجاز للقضاء علي الوهابيين، والسودان والشام وكريت واليونان ووجدت أوروبا وعلي رأسها انجلترا أنه حان الوقت لتقليص نفوذ محمد علي ووضع نهاية لطموحاته، لأنها كانت عينها علي مصر والشرق والشمال الإفريقي.
>>>
وزادت نقمة أوروبا وانجلترا بالذات علي محمد علي باشا عندما استدعي القناصل العامين لبريطانيا وفرنسا والنمسا وروسيا وأعلن استقلال مصر التام عن السلطان العثماني، وكان الغضب علي أشده علي محمد علي باشا من جانب انجلترا وفرنسا والباب العالي. وتحرك جيش كبير بقيادة القائد اليروسي (فون مولتكه) لاخراج ابراهيم باشا من الشام غير أن ابراهيم باشا ردهم مدحورين إلي الأناضول.. ومن هنا جن جنون (بالمرستون) في انجلترا، وخاصة ان اسطول السلطان بزعامة أحمد باشا قد توجه إلي الاسكندرية ليكون في خدمة محمد علي باشا!
وأعلنت أوروبا تأييدها للسلطان، وأنذرته انجلترا بأن يعود الأسطول إلي السلطان في غضون عشرين يوما وإلا فسوف يفرض علي مصر حصارا بحريا ويحرم محمد علي من جميع أراضيه وألقابه.
وتحالفت انجلترا مع تركيا لضرب ابراهيم باشا واخراجه من الشام، واستولي الأسطول البريطاني علي أهم المدن في الشام ومنها صيدا وطرابلس وطرسوس واضطر ابراهيم باشا للانسحاب من الشام، وأعلن رئيس وزراء فرنسا أنه اذا خضع باشا مصر في وقت يفكر، فقد تترك له مصر وأن يتداول أولاده وأحفاده علي عرش مصر عن طريق الوراثة.
وأخيرا خضع محمد علي باشا لمطالب أوروبا، وتقلص حكمه علي مصر، علي أن يتولي أولاده وأحفاده حكمها وعاد الأسطول العثماني إلي تركيا سنة ٠٤٨١..
بل أن محمد علي نفسه كانت قد تقدمت به السن، وفقد قواه العقلية ورحل عن دنيانا عام ٩٤٨١م
>>>
كانت حقبة حكم محمد علي يحاول محمد علي فيها أن يسير علي النمط الأوروبي.. بل أن الجند العثمانيين غضبوا لأن محمد علي أراد منهم كما يقول الجبرتي أن يلبسوا (الملابس الممطة) التي كان يلبسها الفرنسيون وذلك حين أراد تنظيم جيشه علي النظام الأوروبي.
يقول صلاح عبدالصبور في كتابه (قصة الضمير المصري الحديث).
».. ولكن هذه النزعة الأوروبية، كانت عوراء تنظر بعين واحدة، لم يدرك محمد علي من أوروبا إلا صناعتها الحربية، أما حضارتها وقوتها وحقوق محكوميها علي حكامها فلم تكن تخطر له ببال، كان محمد علي آية زمانة في الظلم والقسوة والتعذيب، والجشع إلي المال، كما كان حاكما مطلقا إلي حد لم يعرفه العصر الحديث.
فقد كان نابليون الابن العاق للثورة الفرنسية، قد أنشأ ديوانا من المصريين لمناقشة المسائل العامة، ورغم أن هذا الديوان كان نوعا من الزينة أو »الاكسسوار« إلا أن محمد علي كان يستطيع أن يمضي به ويدعمه، ويدع المصريين يمارسون من خلاله لونا من الديمقراطية الساذجة - ولكنه - علي عكس ذلك - ولم يحاول بعثه، ولم يقرب إليه أحد من المصريين، ولم يشركهم في جهاز حكمه.ولنقرأ قائمة ببعض الرجال الذي عهد إليهم محمد علي المسئوليات العامة. فلن تجد مصريا واحدا.. كان وزراء تجارته علي التوالي »ياغوص بك« أو يوسف كنعان »الارمنيين« وكان مدير جماركه »كرابيت« الأرمني، وكان سلحداره سليمان أغا، وكان خازنداره محمود بك التركيين، وكان دفتر داره »محمد بك صهره.. وكان دلاته جميعا علي الأقاليم من الأتراك.
ويضيف الجبرتي هؤلاء الحكام الجدد بقوله:
ترأسوا، وعلت أسافلهم، وليسوا الملابس الفاخرة، وركبوا البغال والرهوانات، وأخذوا بيوت الأعيان التي بمصر القديمة، وعمروها وزخرفوها وعملوا فيها بساتين وجناين، وذلك خلاف البيوت التي لهم داخل المدينة، ويركب الواحد منهم وحوله وأمامه عدة من الخدم والقواسة.. يطردون الناس من أمامه وخلفه«.
ويقول صلاح عبدالصبور:
ولا نريد أن نبالغ في تهوينأرض مصر.. وتريد أن تستأثر بخيراتها وموقعها الجغرافي الفريد، بل تمتد أطماعها إلي العديد من العالم العربي، منافسة في ذلك فرنسا، وغيرها من دول أوروبا.
وقد استطاعت أوروبا أن تقزم دور محمد علي، ودور مصر وهي تتحين الفرصة تلو الفرصة لتطأ جيوشها أرض مصر.
وقد اتيح لها ذلك بالفعل عندما أراد الخديو اسماعيل أن يجعل مصر قطعة من أوروبا وأن يقيم مدنها علي أحدث طراز وأن يخطط لتكون القاهرة كباريس عاصمة حضارية لا تقل عن أية عاصمة أوروبية، فانشأ المتاحف والمعارض ودار الاوبرا، وأقام الكباري، إلا أن طموحاته التي لا يجدها حدود اضطرته الي الاستدانة من الدول الأوروبية، وبالتالي كانت هذه الديون السبب الاول لأوروبا لتجد في ذلك ذريعة للتدخل في شئون مصر الداخلية، وفرض الولاية علي تصرفاتها، بل ومراقبة شئونها المالية، والتدخل في شئوها الداخلية، واذا كان الخديو اسماعيل قد انتهت حياته من اقصائه عن حكم مصر، فقد فتحت الطريق زالزرائع لاحتلال مصروكانت مزبحة الاسكندريه من الزرائع التى اتخزتها انجلترا للقضاء شأن محمد علي، فقد كان علي أي حال حاكما شرقيا تقليديا، ولكنه نشرمناخا من اليقظة والتفتح ربما لم يكن هو شخصيا مدركا لأبعاده، وذلك حينما أراد أن يجعل من مصر ضيعة هو مالك وصاحبها الوحيد، فكان مثل صاحب الضيعة الحريص يريد أن يجعلها تؤتي أحسن الثمرات، فيستغل كل الوسائل في سبيل تنمية انتاجها وثمة شيء آخر أدركه محمد علي، وهو أن التفوق الحربي لا يتاح الا بمعرفة علوم الحرب، ومن هنا أقدم علي الخطوة الثورية العظيمة في تاريخ مصر، وهي ارسال بضعة من الشباب إلي أوروبا.
ومن الحق أن معظم هذه البعثات كانت للتخصص في أمور الحرب.. هندستها ومعداتها وطبوغرافيتها ولكن العلم لا يتجزأ، والتفتح الفعلي لا يمكن توجيهه، والاستفادة لا تحجزها الاسوار. لنقل اذن عن محمد علي كما قال شيخنا الجبرتي:
»فلو وفقه الله لشيء من العدالة، علي ما فيه من العزم والرياسة والشهامة والتدبير والمطاولة.. لكان أعجوبة زمانه وفريد ادانه«.
ولنصف إلي حديث الجبرتي:
»ان محمد علي بهذه الخصال التي أفسدها ظلمه، قد صنع هذا المناخ الذي انبت الفريق الثاني ممن هزتهم المواجهة بين مصر وأوروبا أو بالأحري الذي نما فيه هذا الفريق وازدهر، حتي امتد اثره خلال قرن ونصف قرن من الزمان صانعا مصر الحديثة، خالقا لتقدمها وتطورها، مثيرا لعقلها ووجدانها، مغيرا لذوقها ومشربها، متطلعا إلي بناء مصر الحديثة الأصيلة«.
>>>
مهما يكن من شيء.. فبينما كان يتقدم الوعي الوطني في مصر، كانت أوروبا وبصفة خاصة انجلترا تريد أن تثبت أقدامها علي على عوامل النهضة
انتهى
نقلا عن جريدة اخبار الحوادث المصريةةةةة