السلام عليكم
شخصية النبي صلى الله عليه وسلم
لقد عرفت المشارق والمغارب رسالة الإسلام بصورة كاملة، بدءاً من مراسلات النبي صلى الله عليه وسلم إلى الملوك والقبائل، حيث راسل الحبيب صلى الله عليه وسلم النجاشي ملك الحبشة وكسرى ملك فارس، كما أرسل المصطفى رسائله إلى هرقل ملك الروم والمقوقس عظيم القبط بمصر، وكذلك حملت رسائل البشير النذير إلى أهل نجران وأهل ثقيف وإلى اليمن في كلمات من نور، كان قوامها: ( أوتيت جوامع الكلم، واختصر لي الكلام اختصاراً ) .. وعرف الناس منها معالم دعوة هذا النبي الأمي الذي كان أفصح العرب، وكان نزر الكلام، سمح المقالة إذا نطق، ليس بمهزار، وكان كلامه كخرزات نظمت، وكما قالت عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها: " كان لا يسرد الكلام كسردكم هذا، كان كلامه نزراً، وأنتم تنثرون الكلام نثراً "..
ومروراً بعصر السيرة النبوية الزاهر، والخلافة الراشدة، وما تبعها من حقب التاريخ الإسلامي، حتى بدأت الأمم تحتك بالإسلام والمسلمين عن مقربة وتلاحم.. مروراً بعصر الفتوحات الإسلامية التي احتك فيها الغربيون بالإسلام وخالطوا أهله عن قرب.. شرقاً عن طريق الإمبراطورية العثمانية، وغرباً عن طريق الأندلس.. وعمقاً عن طريق الحروب الصليبية التي امتدت لأربعة قرون.
وخلال هذه الأعصار، وعبر هذه الديار.. حمل الغرب في مخيلته، صورة متكاملة عن الإسلام ورسوله صلى الله عليه وسلم من آمن منهم ومن لم يؤمن وتراوحت هذه الصورة بين التصديق والتكذيب.. وبين الإنصاف والإجحاف.. لكن القلب النابض لهذه الصورة.. كان يتمثل في الشخصية المحمدية التي بهرت كبار مفكري وشعراء وأدباء وزعماء وفلاسفة الغرب.. الشانئين منهم والمعتدلين.. الكارهين منهم والمحبين.
فخلال الحروب الصليبية (الحملة الخامسة) مثلاً.. عاد القديس فرنسيس بعد أن التقى الملك الكامل.. ورجع إلى فرنسا ليقول: إن الإسلام دين منزَّل، ولا يعقل أن يكون بدعة، ولم يجرؤ وقتذاك أحد على الطعن في هذه الشهادة.
وعبر مراحل التدافع التاريخي لحركة الدعوة الإسلامية، توالت شهادات كبار المفكرين حول شخصية النبي صلى الله عليه وسلم .
ولعل من أهم هذه الشهادات ما قاله تولستوي (1828 1910م) ذلك المفكر الروسي الكبير الذي قال تحت عنوان "من هو محمد؟": "إن محمداً - صلى الله عليه وسلم - هو مؤسس الديانة الإسلامية، التي يدين بها في جميع جهات الكرة الأرضية مائتا مليون نفس (في زمان تولستوي) ثم قال: "إن الله اصطفاه لإرشاد أمته وعهد إلى هدم ديانتهم الكاذبة، وإنارة أبصارهم بنور الحق، فأخذ من ذلك العهد ينادي باسم الله الواحد القهار، وذلك بحسب ما أوحى إليه الله، وبمقتضى اعتقاده الراسخ". ثم يقرر تولستوي هذه الحقيقة الخالدة فيقول: "وبالجملة فإن جميع الطوائف النصرانية مصدقون بعقائد لا تنفع الحياة، ويقضي بفسادها العقل الصحيح"... وذلك في كتابه "اعترافات"!!
أما "جيمس متشنر" فيقول: هذا الرجل الملهم - يقصد النبي صلى الله عليه وسلم - الذي أقام الدين الإسلامي، ولد حوالي سنة 571 من الميلاد، في قبيلة عربية كانت تعبد الأصنام، وكان محباً للفقراء والأرامل، واليتامى والأرقاء والمستضعفين، وقد أحدث محمد بشخصيته الخارقة للعادة ثورة في شبه الجزيرة العربية، وفي الشرق كله، فقد حطم الأصنام بيديه، وأقام ديناً يدعو إلى الإيمان بالله وحده، كما رفع عن المرأة قيد العبودية التي فرضتها عليها تقاليد الصحراء". البروفيسور "جارسون دي كاسي" في كتابه "الإسلام" فيقول: "إن محمداً رسول الإسلام - صلى الله عليه وسلم - ولد في حضن الوثنية، ولكنه منذ نعومة أظفاره أظهر بعبقرية فذة، انزعاجاً عظيماً من الرذيلة، وحباً حاداً للفضيلة، وإخلاصاً ونية حسنة غير معتادة، إلى درجة أن أطلق عليه مواطنوه في ذلك العهد اسم الصادق الأمين".
في حين يقرر البروفيسور "كارادي فو" في كتابه "المحمدية": "إن شعور المساواة والإخاء الذي أسسه محمد بين أعضاء الكتلة الإسلامية كان يطبق عملياً حتى على النبي نفسه".
ولعل من أمتع الدراسات المعاصرة التي تجمع حصاداً واسعاً مؤيداً أو معارضاً حول الشخصية المحمدية... تلك الرسالة التي حصلت بها المفكرة الإسلامية الدكتورة فوزية العشماوي أستاذ الأدب والاجتماع بجامعة جنيف حول صورة النبي صلى الله عليه وسلم في الأدب الفرنسي، حيث جلَت ما أحاط بأعظم شخصية عرفها تاريخ الإنسانية من ظلم، وما حاول كبار الأدباء الفرنسيين إلحاقه بنبي الإسلام من شبهات، وقعوا فيها كضحايا للعلم المغلوط، أو الكيد المتعمد، رغم انبهارهم بجوانب متعددة من هذه الشخصية المتكاملة المتفردة التي ستظل سماء للإنسانية إلى يوم الدين. وحول هذا المعنى يقول المستشرق الأمريكي "إدوارد سي": "كانت بلاد العرب غارقة قبل محمد صلى الله عليه وسلم في أحط الدركات، حتى ليصعب علينا وصف تلك الخزعبلات التي كانت سائدة في كل مكان".. ثم يضيف هذا المستشرق حياة العرب قبل الإسلام في شتى جوانبها الاجتماعية والأخلاقية والثقافية والاقتصادية ثم يقول: "كانت بلاد العرب في حالة تشويش، وفي فوضى منتشرة لم يسبق لها مثيل في تاريخ أية أمة من الأمم، حتى إن بيت الله الحرام الذي بناه إبراهيم الخليل عليه السلام لإقامة الشعائر الدينية فيه قد تحول إلى معبد يحتوي على أربعمائة صنم، لكل قبيلة صنم يعبدونه"... وهناك بزغ فجر عصر جديد، كان يُرى في الأفق، وبشرت الأيام بسطوع شمس العرفان، وانقشاع سحب الجهالة المظلمة التي أخفت النور السماوي عن أبصار الناس زمناً طويلاً.. وأتى اليوم الذي أعادت فيه يد المصلح العظيم محمد صلى الله عليه وسلم ما فقدته العدالة والحرية والتسامح والفضيلة.
وهذا ما يراه الكاتب الأديب الإنجليزي الكبير "لوبل توماس" الذي يقول: "قبل أن يكتشف "كريستوفر كولمبس" أمريكا بألف سنة، أبصرت عينا الطفل القرشي محمد بن عبدالله النور في مكة، صلى الله عليه وسلم ، فكأن الله قد اختار هذا الطفل ليقلب تاريخ العالم!
ثم يسرد "توماس" قبسات من سيرة الحبيب صلى الله عليه وسلم إلى أن يقول: "محمد صلى الله عليه وسلم هو خاتم الأنبياء والرسل، ودينه دين الله إلى العالم، لعالم البشرية كله، ولهذا لا توجد أسرة في الجزيرة العربية لا تسمي أحد أبنائها باسم محمد، وينتشر اسم محمد في العالم أكثر من انتشار بطرس ويوحنا".
وفي عصرنا الحديث نجد "إدوارد مونتيه" مدير جامعة جنيف في محاضراته التي ألقاها حول الإسلام ورسوله صلى الله عليه وسلم يقول: "لقد كان انتشار الإسلام عظيماً وباهراً.. مما كوّن آراء طائشة حول أسباب هذا الانتشار الذي وطد سلطة نبي الإسلام محمد صلى الله عليه وسلم، وإصلاحاته بعيداً عن حدود بلاد العرب، لقد كرروا ومازالوا يكررون حتى الآن، إن نجاح العقيدة الإسلامية يرجع إلى العنف، وإلى قوة السيف في عهد محمد وعهود خلفائه الأولين يقصد الخلفاء الأربعة ولكن هذه الفكرة، قد كذبها الواقع، وفضحتها الوقائع، فإن الفكرة لا تضع موضع الاعتبار العناصر المختلفة للمسائل المراد حلها، والوقوف على حقيقتها.
ثم يفسر "مونتيه" عناصر انتشار الإسلام، ويرجعها إلى سببين رئيسين هما:
1) القوة الذاتية في الإسلام لينتشر بنفسه.
2) النبي القدوة محمد صلى الله عليه وسلم .(1)
جدير بالذكر، أن مونتيه، (1856م 1927م) من أهم من ترجموا القرآن الكريم إلى اللغة الفرنسية، وله عدة مؤلفات مهمة "كمستشرق" تناول فيها الإسلام والرسول صلى الله عليه وسلم .
وليس بخاف عن الدنيا ما قاله الفيلسوف الإنجليزي "توماس كارليل" (1795 1881م) والذي يقال في وصفه: إنه أكبر عقل ولدته الأمة الإنجليزية بعد شكسبير... حيث يصف جانباً من حياة النبي صلى الله عليه وسلم في كتابه [الأبطال] فيقول: "أي شيء أكبر دلالة على صدق من يدعي لك أنه بناء ماهر، من أن يبني فعلاً بيديه داراً تقاوم العوادي أكثر من ألف ومائتي سنة، وهي تسع نحو مائتي مليون من الأنفس كان هذا في عصره أما الآن فالمسلمون حوالي مليار ونصف المليار مسلم كذلك لا شيء أكبر دلالة على صدق نبوة محمد صلى الله عليه وسلم من أن يؤسس ديانة، يجد فيها نحو مائتي مليون من الأنفس غذاءهم الروحاني، وتقاوم عوامل التحلل في مدة أكثر من اثني عشر قرناً من الزمانوالمجال لا يتسع لآراء "برنارد شو" و"جول لابوم" و"لامارتين" و"أميل ديرمانجم" و"توماس أرنولد" و"مايكل هارت" و"جارودي" و"هوفمان" و"كارين أرمسترونج" والمئات والآلاف من المفكرين والعلماء وكبار الكتاب شرقاً وغرباً، الذين نظروا إلى شخصية النبي محمد صلى الله عليه وسلم بموازين العظمة والفضائل، والمكارم التي ينتهي إليها المصلحون والزعماء، والصفات التي يسمو إليها القادة والموجهون، ونظروا إلى رسالته بمجامع الخير الذي تحمله للإنسانية، في الزمان والمكان والقلب والعقل والروح والجسد، وذلك بعد دراسات عميقة وعلم متين، وتحقيق واسع، فكانت شخصيته ورسالته { هي الفطرة في أنقى وأرقى صورها، وأكمل وأجمل غاياتها وأصح وأقوم سيرها في دنيا الإنسان وعالم الإنسانية.
ولعل هذا هو ما انتهى بالمؤرخ الأديب الكبير برنارد شو (1856 1950م) إلى أن يقول: "إني أعتقد أن رجلاً كمحمد صلى الله عليه وسلم ، لو تسلم زمام الحكم المطلق في العالم بأجمعه اليوم، لتم له النجاح في حكمه، ولقاد العالم إلى الخير، وحل كل مشاكله على وجه يحقق للعالم كله السلام والسعادة المنشودة"!!
ثم يقول "برنارد شو": "إنني يمكنني أن أؤكد نبوءتي فأقول: إن بوادر العصر الإسلامي الأوروبي قريبة لا محالة"..
ويقولون متى هو قل عسى أن يكون قريباً.. وصلى الله وسلم على نبينا محمد .