اعلم أخي الكريم أن للموت سكرات وأي سكرات؟! قال تعالى: "وجاءت سكرة الموت بالحق ذلك ما كنت منه تحيد"[7]؛ وصح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: "إن للموت سكرات"؛ وروي: "إن الموت أشد من ضرب بالسيوف، ونشر بالمناشير، وقرض بالمقاريض"؛ ولهذا قال عيسى عليه السلام: "يا معشر الحواريين ادعو الله أن يهوِّن عليكم هذه السكرة"، وقال لحوارييه: "ادعو الله أن يخفف عني الموت، فقد خفت الموت خوفاً أوقفني مخافة الموت على الموت"؛ وروي عنه أنه لما قبض إبراهيم عليه السلام قال له عز وجل: "كيف وجدتَ الموت؟ قال: يارب، كأن نفسي تنزع بالسَّلى[8]؛ فقال: هذا وقد هونا عليك الموت"؛ وقال لموسى: "كيف وجدت طعم الموت؟ قال: وجدته كسفود[9] أدخل في صوف فاجتذب؛ قال: هذا وقد هونا عليك الموت".
إذا كانت هذه حال أولي العزم عند الموت، وقد هونه الله عليهم، فكيف تكون حالنا نحن يا ترى؟!
إن كنا نحن أبناء الموتى، وأن الله نعى إلينا نبينا صلى الله عليه وسلم ونعانا إلى أنفسنا، فما منا من أحد إلا وهو يحمل أصل شهادة وفاته، وما يستخرج له من شهادة بعد وفاته إن هي إلا صورة من تلك الشهادة: "إنك ميت وإنهم ميتون"، "كل نفس ذائقة الموت"، التي هي توقيع بخراب الدنيا، كما قال الحافظ ابن الجوزي؛ نعى رجلٌ لرجلٍ أخاه وقد وجده يتغدى، فقال: ادنُ تغدَّ، فقد نُعِيَ إليَّ أخي من قبل؛ فتعجب الرجل، من نعاه إليه وهو أول قادم؟ فتلى عليه: "إنك ميت وإنهم ميتون"؛ وأرواحنا عارية في أجسادنا، ولابد لصاحب العارية من ردها وقبضها.
لهذا علينا أن نكثر من ذكر هادم الذات، ومفرق الجماعات، وميتم البنين والبنات، ومؤيم الأزواج والزوجات، ومنغص العيشات، وعلينا أن نستعد له بتجديد التوبات، والحرص على الطاعات، والبعد عن المحرمات، والاستعداد للممات، والحذر من اجتماع الحسرات، والانغماس في الشهوات، واغتنام الفرص، والاستفادة من الأوقات.
قال القحطاني رحمه الله في نونيته:
يوم القيامـة لـو علمتَ بهــوله لفررتَ من أهل ومن أوطان
يومٌ تشققت السمـــاءُ لهـولـه تشيب فيه مفـارقُ الولـدان
يوم عبـوسٌ قمطريـرٌ شــرُّه في الخلق منتشرعظيم الشان
والجنة العليـا و نــار جهنــم داران للخصمين دائمتــان
يوم يجيء فيه المجرمون إلى لظى يتلمظون تلمظ العطشــان
فكن أخي الكريم من الكيسين، عباد الله الفطنين، ولا تكن من المغرورين المخدوعين:
إن لله عبـــــاداً فطنــــاً طلقـوا الدنيا وخافوا الفتنـا
نظـروا فيهـا فلمــا علمــوا أنهـا ليست لحـي وطنــاً
جعلـوهـا لجــة واتخـــذوا صالح الأعمـال فيها سفنـاً
منقوووووووول